الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة الأعراف: الآيات 106- 107] {قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107)}.فإن قلت: كيف قال له {فَأْتِ بِها} بعد قوله: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ}؟ قلت: معناه إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتنى بها وأحضرها عندي لتصح دعواك ويثبت صدقك {ثُعْبانٌ مُبِينٌ} ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان. وروى أنه كان ثعبانا ذكرًا أشعر فاغرًا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا، وضع لحيه الأسفل في الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون ليأخذه فوثب فرعون من سريره وهرب، وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك، وهرب الناس وصاحوا، وحمل على الناس فانهزموا فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا قتل بعضهم بعضًا، ودخل فرعون البيت وصاح: يا موسى، خذه وأنا أو من بك وأرسل معك بنى إسرائيل، فأخذه موسى فعاد عصى. فإن قلت: بم يتعلق {لِلنَّاظِرِينَ}؟ قلت يتعلق ببيضاء. والمعنى: فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضًا عجيبًا خارجا عن العادة، يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب، وذلك ما يروى أنه أرى فرعون يده وقال: ما هذه؟ قال: يدك، ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها، فإذا هي بيضاء بياضًا نورانيا غلب شعاعها شعاع الشمس، وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة..[سورة الأعراف: الآيات 109- 112] {قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112)}.{إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} أي عالم بالسحر ماهر فيه، قد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه، حتى خيل إليهم العصى حية، والآدم أبيض. فإن قلت قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء، وأنه قاله للملإ وعزى هاهنا إليهم. قلت: قد قاله هو وقالوه هم، فحكى قوله ثم وقولهم هاهنا. أو قاله ابتداء فتلقته منه الملأ، فقالوه لأعقابهم. أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ، كما يفعل الملوك، يرى الواحد منهم الرأى فيكلم به من يليه من الخاصة، ثم تبلغه الخاصة العامة. والدليل عليه أنهم أجابوه في قولهم {أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ} وقرئ {سحار}، أي يأتوك بكل ساحر مثله في العلم والمهارة. أو بخير منه.وكانت هذه مؤامرة مع القبط. وقولهم {فَماذا تَأْمُرُونَ} من أمرته فأمرنى بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأى. وقيل: {فماذا تأمرون} من كلام فرعون، قاله للملإ لما قالوا له: {إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم} كأنه قيل: {فماذا تأمرون}قالوا: {أرجه وأخاه}، ومعنى {أرجه وأخاه} أخرهما وأصدرهما عنك، حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما. وقيل: احبسهما.وقرئ: {أرجئه} بالهمزة. و{أرجه}، من أرجأه وأرجاه..[سورة الأعراف: الآيات 113- 114] {وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}.فإن قلت: هلا قيل: وجاء السحرة فرعون فقالوا؟ قلت: هو على تقدير سائل سأل: ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب بقوله: {قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْرًا} أي جعلا على الغلبة: وقرئ: {إن لنا لأجرًا}، على الإخبار وإثبات الأجر العظيم وإيجابه: كأنهم قالوا: لابد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم، كقول العرب: إنّ له لإبلا، وإنّ له لغنما، يقصدون الكثرة. فإن قلت: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ما الذي عطف عليه؟ قلت: هو معطوف على محذوف سدّ مسدّه حرف الإيجاب، كأنه قال إيجابا لقولهم: إن لنا لأجرًا: نعم إن لكم لأجرًا، وإنكم لمن المقرّبين، أراد: إنى لأقتصر بكم على الثواب وحده، وإنّ لكم مع الثواب ما يقل معه الثواب، وهو التقريب والتعظيم، لأنّ المثاب إنما يتهنأ بما يصل إليه ويغتبط به إذا نال معه الكرامة والرفعة.وروى أنه قال لهم: تكونون أول من يدخل وآخر من يخرج. وروى أنه دعا برؤساء السحرة ومعلميهم فقال لهم: ما صنعتم؟ قالوا قد علمنا سحرًا لا يطيقه سحرة أهل الأرض، إلا أن يكون أمرًا من السماء فإنه لا طاقة لنا به. وروى أنهم كانوا ثمانين ألفًا. وقيل: سبعين ألفًا وقيل: بضعة وثلاثين ألفًا. واختلفت الروايات فمن مقل ومن مكثر. وقيل: كان يعلمهم مجوسيان من أهل نينوى. وقيل: قال فرعون: لا نغالب موسى إلا بما هو منه، يعنى السحر..[سورة الأعراف: الآيات 115- 122] {قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122)}.تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين، قبل أن يتخاوضوا في الجدال، والمتصارعين قبل أن يتآخذوا للصراع. وقولهم {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر، أو تعريف الخبر وإقحام الفصل، وقد سوّغ لهم موسى ما تراغبوا فيه ازدراء لشأنهم، وقلة مبالاة بهم، وثقة بما كان بصدده من التأييد السماوي، وأنّ المعجزة لن يغلبها سحر أبدًا {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه، كقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى}. روى أنهم ألقوا حبالا غلاظًا وخشبا طوالا، فإذا هي أمثال الحيات، قد ملأت الأرض وركب بعضها بعضا {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} وأرهبوهم إرهابا شديدًا، كأنهم استدعوا رهبتهم {بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} في باب السحر. روى أنهم لونوا حبالهم وخشبهم وجعلوا فيها ما يوهم الحركة. قيل: جعلوا فيها الزئبق {ما يَأْفِكُونَ} ما موصولة أو مصدرية، بمعنى: ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزوّرونه. أو إفكهم، تسمية للمأفوك بالإفك، روى أنها لما تلقفت ملء الوادي من الخشب والحبال ورفعها موسى فرجعت عصى كما كانت، وأعدم اللّه بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرّقها أجزاء لطيفة قالت للسحرة: لو كان هذا سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا {فَوَقَعَ الْحَقُّ} فحصل وثبت. ومن بدع التفاسير: فوقع قلوبهم، أي فأثر فيها من قولهم. قاس وقيع {وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ} وصاروا أذلاء مبهوتين {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} وخرّوا سجدا: كأنما ألقاهم ملق لشدّة خرورهم. وقيل: لم يتمالكوا مما رأوا، فكأنهم ألقوا. وعن قتادة: كانوا أول النهار كفارًا سحرة، وفي آخره شهداء بررة. وعن الحسن. تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا، وهؤلاء كفار نشأوا في الكفر، بذلوا أنفسهم للّه..[سورة الأعراف: الآيات 123- 124] {قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}.{آمَنْتُمْ بِهِ} على الإخبار، أي فعلتم هذا الفعل الشنيع، توبيخا لهم وتقريعًا. وقرئ: {أآمنتم}، بحرف الاستفهام، ومعناه الإنكار والاستبعاد {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ} إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء قد تواطأتم على ذلك لغرض لكم، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بنى إسرائيل، وكان هذا الكلام من فرعون تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان. وروى أن موسى عليه السلام قال للساحر الأكبر: أتؤمن بى إن غلبتك؟ قال لآتين بسحر لا يغلبه سحر. وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون يسمع، فلذلك قال ما قال: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيد أجمله ثم فصله بقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ} وقرئ {لأقطعن} بالتخفيف، وكذلك {ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ} {مِنْ خِلافٍ} من كل شق طرفا. وقيل: إن أوّل من قطع من خلاف وصلب لفرعون..[سورة الأعراف: الآيات 125- 126] {قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126)}.{إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ} فيه أوجه، أن يريدوا: إنا لا نبالى بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك. أو ننقلب إلى اللّه يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب، أو إنا جميعًا يعنون أنفسهم وفرعون ننقلب إلى اللّه فيحكم بيننا. أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى اللّه، فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لابد لنا منه: {وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا} وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات اللّه، أرادوا: وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها، وهو الإيمان. ومنه قوله:{أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا} هب لنا صبرًا واسعًا وأكثره علينا، حتى يفيض علينا ويغمرنا، كما يفرغ الماء فراغا. وعن بعض السلف: إن أحدكم ليفرغ على أخيه ذنوبًا ثم يقول: قد مازحتك، أي يغمره بالحياء والخجل. أو صب علينا ما يطهرنا من أوضار الآثام، وهو الصبر على ما توعدنا به فرعون، لأنهم علموا أنهم إذا استقاموا وصبروا كان ذلك مطهرة لهم {وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ} ثابتين على الإسلام. اهـ. .قال الثعلبي في الآيات السابقة: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} أي من بعد قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب {موسى بِآيَاتِنَا} بحجّتنا وأدلّتنا {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ} فجحدوا وكفروا {بِهَا فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} وكيف فعلنا بهم {وَقَالَ موسى} لمّا دخل على فرعون واسمه قابوس في قول أهل الكتاب.قال وهب: كان اسمه الوليد بن مصعب بن الربان وكان من القبط وعَمّرَ أكثر من أربعمائة عام وقال موسى: {يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين} إليك فقال فرعون كذبت فقال موسى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} يعني أنا خليق بأن لا أقول على الله إلاّ الحق، فعلى بمعنى الباء، كما يقال: رميت بالقوس على القوس وجاءني على حال حسنة وبحالة حسنة يدل عليه، قول الفراء والأعمش: حقيق بأن لا أقول. وقال أبو عبيدة: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلاّ الحق، وقرأ شيبة ونافع: حقيق على تشديد الياء يعني حق واجب عليَّ ترك القول على الله عزّ وجلّ إلاّ الحق.{قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني العصا وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت عليّ بن مهدي الطبري يقول: إنّه تعريض يقول: لحقيق مصرف الخطاب و{حَقِيقٌ} فعيل من الحق يكون بمعنى القائل: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ} أي اطلق عنهم وخلهم يرجعون إلى الأرض المقدسة.قال وهب: وكان سبب استعباد فرعون بني إسرائيل أنّ فرعون حاجّ موسى وكان أشد من فرعون يوسف [........] في يوسف وانقرضت الأسباط عليهم فرعون فاستعبدهم فأنقذهم الله بموسى.قال: وكان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر واليوم الذي دخل موسى رسولًا أربعمائة عام {قَالَ} فرعون مجيبًا لموسى {إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * فألقى عَصَاهُ} من يده {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ}.قال ابن عباس والسدي: كانت عظيمة ذكرًا من الحيات، إذا فتحت فاها صار شدقها ثمانين وقد ملأت ما بين سماطي فرعون واضعة لحييها ذراعًا واضع لحية الأسفل في الأرض الأعلى على سور القصر، حتى رأى بعض من كان خارج مدينة مصر رأسها.ثمّ توجهت نحو فرعون لتبتلعه فوثب فرعون من سريره وهرب منها فأحدث ولم يكن حدث قبل ذلك وهرب الناس وصاحوا وحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا قتل بعضهم بعضًا، ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى خذها وأنا مؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت.
|